الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***
إخواني: ألا ناظر لنفسه قبل الموت، ألا مستدرك زاد رمسه؟ قبل الفوت، ألا مزدجر بواعظ أمسه؟ فقد أسمعه الصوت. ما ضرَّ عبدٌ نفسـه *** قبل خروج نفسه هل يومه أو غـده *** إلا نظير أمـسـه وعلَّه يلقى الـرّدى *** قبل غروب شمسه كم مدلجٍ مهـجـرٍ *** يسعى لبعل عرسه وأكيس الناس امرؤٌ *** جدّ ليوم رمـسـه إخواني: حبال الآمال رثاث، وساحر الهوى نفاث، والأماني على الحقيقة أضغاث، والمال المدخر رزق الوارث، عجباً لأجسام ذكور وعقول إناث، إلام لرواح في الهوى والتغليس؟ وحتام السعي في صحبة إبليس؟ وكم بهرجة في العمل وكم تدليس؟ أين الأقران هل لهم من حسيس؟ أما تعلم أنهم ندموا على إيثار الخسيس، تالله لقد ودوا طلاق الدنيا قبل المسيس، لقد أسمعك الموت وعيدك، وكأنك به قد ضعضع مشيدك، وأخلى منك دارك، وملأ بك بيدَك، لقد أمرضك الهوى وفي عزمه أن يزيدك، هل لذت لذة الدنيا فصفت هل عافت؟ إلا وعافت وعفت هل تبعت عرضاً؟ وقفت فوقفت هل أرشفت شفة من رضابها؟ فشفت بينا محبها يناجيها بألفاظ المنى، خفت ما بلغ المراد منها إلا من صد عنها والتفت. عين المنية يفضي غير مطـرفة *** وطرف مطلوبها مذ كان وسنان جهلاً تمكن منه حـين مـولـده *** فالمرء صاح ولبُّ المرء سكران كم نرمي هدف سمعك برشق كلام، كم نلدغ أصل قلبك بحمة ملام، لا تنفع الرياضة إلا في نجيب، لو سقي الحنظل بماء السكر لن يخرج حلواً، شجر الأثل وإن دام الماء تحته لم يثمر، سحاب الهدى قد طبق بيد الأكوان، وأظن أرض قلبك سبخاً إنما يغلب هذا على ظني لبعد صلاحك وقد يستحيل الخمر خلاًّ، كم تحضر المجلس وتخرج وما علقت بشيء ويحك، هذا البنفسج يطرح في الشيرح فيعبق به طول السنة وكذلك الورد في الأشنان. ومن البليّة عذلُ من لا يرعوي *** عن غيّه وخطاب من لا يفهم ويحك، إلى كم تعدو خلف موكب الهوى وما تربح إلاّ الغبار، دع حبل الرعونة من يد التمسك فإنه لا مرة له، ما قتل أحد بأحد من سيف سيوفي، ومواهب الأعمار مسترجعة بالأنفاس حتى تستوفي، ألست نقضت عهد " ألست " بعد عقد عقده فكيف حل لك الحل؟ بحرمة ما قد كان بينـي وبـينـكـم *** من الوصل إلا ما رجعتم إلى الوصل نحن لك على الوفاء ما زلنا، وأنت ما ثبت يومين. لكثير: وكنّا ارتقينا في صعودٍ من الهوى *** فلما علـونـاه ثـبـت وزلـت وكنا عقدنا عقدة الوصل بينـنـا *** فلما توافينـا شـددت وحـلّـت واعجباً، تنبه الحيوانات بالليل فتصوت وأنت غافل ويحك إذا فتحت عينيك في الدجى فصح بقلبك. قم بنا يا أخي لما نتـمـنّـى *** واطرد النوم بالعزيمة عنـا قم فقد صاحت الديوك ونادت *** لا تكون الديوك أطرب منا إخواني: مصيبتنا في التفريط واحدة وأهل الأحزان أهل. إنّا ليجمعُنا البكـاء وكـلُّـنـا *** نبكي على شجنٍ من الأشجان مجلس الذكر مأتم الأحزان، هذا يبكي لذنوبه، وهذا يندب لعيوبه، وهذا على فوات مطلوبه، وهذا لإعراض محبوبه. يتشاكى الواجدون جوىً *** واحداً والوجد ألـوانُ يا نائح الفكر نضد، يا نادب الحزن عدّد، يا لائم النفس شدِّد، يا رامي القلب سدِّد، يا جامع الدَّمع بدِّد، يا مطرب السر ردِّد. للمهيار: نشدتُك يا بـانة الأجـرع *** متى رفعَ الحيُّ من لعلع وهل مرَّ قلبي في التابعين *** أم حار ضعفاً فلم يتبـع رأيت له بين تلك القلوب *** إذا اشتبهت أنة الموجـع أدر يا نديمي كأس الحديث *** فكأسي بعدهُمُ مدمعـي يا مقيّداً عن السير بقيود الشواغل أيطمع في لحاق الطير مقصوص القوادم؟ صوت في الأسحار بالسائرين لعل عطفاً ينعطف إليك في عطفة رحمة، فقد ترق الساعة لأهل الفاقة. للمهيار: ردوا لنا يومـاً ولـو سـاعةً *** على الغضا من عيشنا الزائلِ لي ذلة السائلِ ما بـينـكـم *** فلا تفتكـم عـزة الـبـاذل سل الليل عن الأحباب فعنده الخبر، خلا الفكر بالقلب في بيت التلاوة فجرت أوصاف الحبيب فنهض قلق الشوق يضرب بطون الرواحل لينهر السهر فلا وجه لنوم القوم. للخفاجي: أترى طيفكم لمـا سـرى *** أخذ النوم وأعطى السهرا لا نلوم الليل بل نـعـذره *** إنما طوله من قـصـرا يا عيوناً بالغضـا راقـدة *** حرم الله عليكن الكـرى لو عدلتن تساهمنا جـوى *** مثل ما كنا اشتركنا نظرا حبذا فيك حديث بـاطـن *** فطن الدمع به فانتشـرا من لم يكن له مثل تقواهم لم يعلم ما الذي أبكاهم. من لم يشاهد جمال يوسف لم يعلم ما الذي ألم قلب يعقوب.
من لم يبت والحب حشو فؤاده *** لم يدر كيف تفتت الأكـبـاد لو دمت على سلوك البادية طابت لك ريح الشيح.
تقر لعيني أن أرى رملة الحمـى *** إذا ما بدت يوماً لعيني قلالـهـا ولست وإن أحببت من يسكن الغضا *** بأول راجٍ حـاجة لا ينـالـهـا *** يا من كانت له معنا معاملة، وطالت بيننا وبينه المواصلة ثم اختار الهجر والفاصلة إن، لم يكن جميل فلتكن مجاملة، تفكر تعرف قدر ما فاتك وابك لذنب حرمك الفوز وأفاتك، اسكب دموع أسفك فرب دم بالأسى سفك واندب أطلال مألفك لعلك تغاث في موقفك. للمهيار: تظـنُّ لـيالـينـا عـــوَّدا *** على العهد من برقتي ثهمـدا ويا صاحبي أين وجه الصباح؟ *** وأين غدٌ؟ صِف لعيني غـدا وخلف الضلوع زفـيرٌ أبـى *** وقد برد الـلـيل أن يبـردا خليليّ، لي حاجةٌ مـا أخـفَّ *** لرامة لو حملتْ مُـسـعِـدا أريد لأكـتـم وابــن الأراك *** يفضحهـا كـلـمـا غـردا أحب وإن أخصب الحاضرون *** ببادية الـرمـل أن أخـلُـدا أرى كبدي قُسِّمتْ شعبـتـين *** مع الشوق غور أو أنـجـدا تمناك عيني وقـلـبـي يراك *** بشوقي حاشاك أن تُـفـقـدا للهم نور دنيانا بنور من توفيقك، واقطع أيامنا في الاتصال بك وانظم شتاتنا في سلك طاعتك، فأنت أعلم بتلفيق المقترف، اللهم قوِّ منن أطفال التوبة بلبان الصبر، ارفق بمرضى الهوى في مارستان البلاء، افتح مسام الأفهام لقبول ما ينفع، سلم سيارة الأفكار من قاطع طريق، احرس طلائع المجاهدة من خديعة كمين، احفظ شجعان العزائم من شر هزيمة، وقّع على قصص الإنابة بقلم العفو، لا تسلط جاهل الطبع على عالم القلب، لا تبدل نعيم عيش الروح بجحيم حر النفس، لا تمت حي العلم في حي الجهل أخرجنا إلى نور اليقين من هذا الظلام، لا تجعلنا ممن رأى الصبح فنام، لا تؤاخذنا بقدر ذنوبنا، فإنك قلت: "ولا تنسوُا الفضل بينكم" واعجباً لمن عرفك ثم أحب غيرك ولمن سمع مناديك ثم تأخر عنك.
حرام عــلـى العـيش مــا دمـت غـــضــــبـانــا وما لـم يعـد عـــني رضاك كــمـا كـانا فأحـسـن فـــإنـــي قــــد أسـأت ولم تــزل تعــودنـي عــنـد الإسـاءة غفــرانـا *** إلهي، لا تعذب نفساً قد عذبها الخوف منك، ولا تخرس لساناً كل ما يروي عنك، ولا تقذ بصراً طالما يبكي لك، ولا تخيب رجاءاً هو منوط بك، إلهي، ضع في ضعفي قوة من منك، ودع في كفي كفى عن غيرك، ارحم عبرة تترقرق على ما فاتها منك، برد كبداً تحترق على بعدها عنك. للشريف الرضي: أشكو إليك مدامعا تَـكِـفُ *** بعد النوى وجوانحاً تَجِـفُ ما كان أسرع ما نبا زمـنٌ *** وتكدرتْ من وُدّنا نُـطَـفُ حبلٌ، غدا بأكفـنـا طَـرَفٌ *** منه وفي أيدي النوى طرفُ لهفي على ذاك الزمان وهلْ *** يثني زماناً ماضياً لَـهَـفُ واأسفي لمنقطع دون الركب متأخر عن لحاق الصحب يعد الساعات في متى ولعل ويخلو يفكر في عسى وهل. لقيس المجنون: أعد اللـيالـي لـيلة بـعـد لـيلة *** وقد عشت دهراً لا أعد الـلـيالـيا وأخرج من بين البيوت لعـلـنـي *** أحدث عنك النفس باللـيل خـالـيا يميناً إذا كانت يمـينـا وإن تـكـن *** شمالاً ينازعني الهوى عن شمالـيا ألا يا حمامي بطن نعمان هجتـمـا *** على الهوى لما تغـنـيتـمـا لـيا وأبكيتماني وسط صحبي ولـم أكـن *** أبالي بدمع العين لو كنت خـالـيا ذكت نار شوقي في فؤادي فأصبحت *** لها وهج مستضـرم فـي فـؤاديا خليلي ما أرجو من العيش بعـدمـا *** أرى حاجتي تشرى ولا تشتري لـيا وقد يجمع الله الشتيتـين بـعـدمـا *** يظنان كـل الـظـن أن تـلاقـيا أيها المتخلف في أعقاب الواصلين استغث بهم، علّق على قطارهم فلعل جملك يصل.
يا صاح والصاحب لا يدعى به خذ بيدي من سطوة البين فما *** أظن أن البين أبقى لـي يدا أين ليالينا القصار بالحمـى *** واكبداً على الحمى واكبـدا يا من قد مضت له ليالي مناجاة ثم طبق الدستور، وقطع المعاملة، اندب زمان الوصل لعل حالاً حال يعود. للمهيار: يا ليلتـي بـحـاجـر *** إن عاد ماضٍ فارجعي بتنا علـى الأحـقـاف *** تنهال بكل مضـجـع قالوا الصباح فانتـبـه *** فقال لي الطيف اسمع فقمت مخلوطـاً أظـن *** البازل ابـن الـربـع حيران طـرفـي دائرٌ *** أطلب ما ليس معـي أرضى بأخبار الـرياح *** والبـروق الـلُّـمَّـعِ وأين من برق الحمـى *** شائمة بـلـعـلــع أفرشني الجمرَ وقـال: *** إن أردت فـاهـجـع ذكر الوصال في زمان الهجر تلف، خصوصاً إذا لم يكن للحبيب خلف. قال ابن مسروق: كنت أمشي مع الجنيد في بعض دروب بغداد، فسمع منشداً يقول: منازل كنت تهواها وتألفهـا *** أيام أنت على الأيام منصور فبكى الجنيد بكاءاً شديداً وقال ما أطيب منازلة الإلفة والأنس، وأوحش مقامات المخالفة لا أزال أحن إلى أول بدء إرادتي وجدة سعيي. للمهيار: يا ليلـتـي بـذات الـشـيح والـضـال *** ومنبت البان من نعـمـان عـودا لـي ويا مـرابـع أطـلالـي بـذي سـلـم *** لهفي على ما مضى من عصرك الخالي ويا مـآرب نـفـسـي والـذين هــم *** بالوصل والهجر أعـلالـي وأبـلالـي قد كان قلبي بكم مأوى السـرور فـمـذ *** نا يتـم صـار مـأوى كـل بـلـبـال فلو شربت بعمـري سـاعة سـلـفـت *** من عيشتي معكم ما كان بـالـغـالـي مالي أعلل نفسي بـالـوقـوف عـلـى *** منازل أقـفـرت مـنـكـم وأطـلال من لي بكتمـان مـا ألـقـاه مـن ألـم *** وظاهري معرب عن باطـن الـحـال قالوا تشاغل عنـا واصـطـفـى بـدلاً *** منا وذلك فعـل الـخـائن الـسـالـي وكيف أشغل قلبي عـن مـحـبـتـكـم *** بغـير ذكـركـم يا كـل أشـغـالـي واشوقاه إلى أرباب الإخلاص واتوقاه إلى رؤية تلك الأشخاص، إني لأحضر ذكركم فأغيب وإن وقتي بتذكركم ليطيب. للشريف الرضي: إذا هزنا الشوق اضطربنـا لـهـزِّهِ *** على شُعَبِ الرحل اضطراب الأراقم فمن صبوات تـسـتـقـيم بـمـائل *** ومـن أريحـياتٍ تـهـب بـنـائم وأستشرف الأعلام حـتـى يدلـنـي *** على طيبها مر الرياح الـنـواسـم ومـا أنـسـم الأرواح إلا لأنـهـا *** تهب على تلك الربى والمـعـالـمِ الإخلاص مسك مصون في مسك القلب تنبه ريحه على حامله، العمل صورة والإخلاص روح، المخلص يعد طاعته لاحتقاره لها عرضاً وقلم القبول قد أثبتها في الجوهر خالصاً، الإخلاص اليسير كثير ووجود عمل الرياء عدم قراضة الأماني لا تقف، وصحيح الشبه مردود، خليج صاف أنفع من بحر كدر، إذا لم تخلص فلا تتعب لا يكسر الجوز بالعهن، أتحدو وما لك بعير؟ أتمد القوس وما لها وتر؟ أتتجشأ من غير شبع؟ واعجباً من وحشي بلا جبل كم بذل نفسه مراء؟ لتمدحه الخلق. فذهبت والمدح ولو بذلها للحق لبقيت والذكر، عمل المرائي بصلة كلها قشور، المرائي يحشو جراب العمل رملاً فيثقله ولا ينفعه، ريح الرياء جيفة تتحاماها مسام القلوب، وما يخفى على المرائي على مسانح الفطن، لما أخذ دود القز ينسج أقبلت العنكبوت تتشبه وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القز: ولكن نسجي أردية الملوك ونسجك شبكة للذباب وعند مس النسيجين يبين الفرق. إذا اشتبكت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباكـا شجرة الصنوبر تثمر في ثلاثين سنة وشجرة الدبا تصعد في أسبوعين فتقول لشجرة الصنوبر إن الطريق التي قطعتها في ثلاثين سنة قد قطعتها في أسبوعين، فيقال لي شجرة ولك شجرة فتجيبها: مهلاً إلى أن تهب ريح الخريف، قال الدب للآدمي: أنت تمشي على رجلين وأنا أيضاً، فقال الآدمي: ولكن صدمة تردك إلى أربع وكم أصدم وأنا منتصف. كان الأشياخ في قديم الزمان أصحاب قدم والمريدون أصحاب ألم فذهب القدم والألم، كان المريد يسئل عن غصة والشيخ يعرف القصة فاليوم لا غصة ولا قصة، كان الزهد في بواطن القلوب، فصار في ظواهر الثياب، كان الزهد حرقة فصار اليوم خرقة، ويحك صوف قلبك لا جسمك، وأصلح نيتك لا مرقعتك، غير زيك أيها المرائي فهو يصيح خذوني، تحملن السيف وما تحسن القتال سيف ودرع لزمن هتكة، ولمقعد فضيحة، البهرج يتبين عند الحك إذا كان العلوي ثابت النسب لم يحتج إلى ضفيرتين ولا يصير المخنث تركياً بلبس القباء، ولا المرائي ولياً بلبس العباء، هذه من النكت الخفايا وفي الزوايا خبايا. واعجباً ما للدواعي إلى الدعاوي، الباطن ينطق لما علم الصالحون خطر البيات، أدلجوا بأحمال الأعمال في ليل الكتم، كان البكاء إذا غلب أيوب قال ما أشد الزكام. هبيني أستر البلـوى *** أليس الدمع يفضحني لساني فيك أملـكـه *** ودمع العين يملكني صام داود بن أبي هند أربعين سنة لم يعلم به أحد، كان يأخذ غداه ويخرج إلى الدكان فيتصدق به في الطريق فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت ويظن أهله أنه قد أكل في السوق. لجابر الجرمي: ومستخبر عن سر ليلى رددته *** فأصبح في ليلى بغير يقـين يقولون خبرنا فأنت أمينـهـا *** وما أنا إن أخبرتهم بـأمـين كان ابن سيرين يتحدث بالنهار ويضحك، فإذا جاء الليل أخذ في البكاء والعويل. نهاري نهار الناس حتى إذا بـدا *** لي الليل هزتني إليك المضاجع أقضي نهاري بالحديث وبالمنى *** ويجمعني والهم بالليل جامـع كان خوفهم من الرياء يوجب مدافعة النهار، فإذا خلوا بالحبيب لم يصبر المشوق. أحن بأطراف النهار صبـابة *** وبالليل يدعوني الهوى فأجيب لو قدروا على استدامة الكتمان ما أذاعوا وكم يقدر المشتاق أن يكتم الوجدا، إذا جن الليل وظلامه، ثار سجن المحب وسقامه، ورمى الوجد فأصابت سهامه، واستطلق مزاد العين فأنهل سجامه، وطال بالحزين قعوده وقيامه. كم بذكراك ولـوعـي *** يا جوى بين الضلـوع هجع العـاذل لـكـن *** من لعيني بالهجـوع هي في شغل عن النوم *** بمرفـض الـدمـوع أتغني بك في الـحـي *** كورقـاء سـجـوع لو أبصرت طلائع الصديقين في أوائل القوم أو شاهدت ساقة المستغفرين في أواخر الركب، أو سمعت استغاثة المحبين في وسط الليل. من رأى البرق بنجد إذ ترآى *** سلب النوم وأهدى البرحـاءا فاض فيضاً كجفونـي مـاؤه *** والتظى وهناً كأنفاسي التظاءا نام سمار الدجى عن ساهـر *** اتخذ الهم سميراً والبـكـاءا أسعدته أدمع تـفـضـحـه *** فإذا ما أحسن الدمـع أسـاءا إذا رأيتم حزيناً فارحموه، وإذا شاهدتم قلقاً فاعذروه. وإذا رأيتم باكياً فوافقوه. الدمع يخـون كـل كـاتـم *** والحب يحـلـل الـعـزائم القلـب بـحـبـكـم لـديغ *** ما أقلقنـي مـن الأراقـم والوجد يغالب الـمـقـاوي *** والسالم فيه مـن يسـالـم هذا ولعـين فـي هـواكـم *** سلمت لكم فمـا أخـاصـم سالت بكم دمـوع عـينـي *** والدمع بمقلـتـي يزاحـم أبكي أثر الحبـيب كـرهـا *** والحزن تهيجه المـعـالـم يا مانع مقلـتـي كـراهـا *** مر اللـيل ولـسـت نـائم قد صمت عن الهوى لأحظى *** في الحب لكم بأجر صـائم هل يبـذل وردكـم لـظـام *** حيران على الورود حـائم ناحت فزجرتـهـا حـمـام *** ما لي تزعجني الحـمـائم يرقبن إلى ذرى غـضـون *** أنى تحـمـلـك الـقـوائم تبكين وما شـجـاك شـوق *** شكواك إذا من العـظـائم إن كنت صدقت فاسعدينـي *** لا نسمع لـومة الـلـوائم طارت وبقيت في ضمانـي *** لا أبرح والزعـيم غـارم أخواني: سار المتقون ورجعنا ووصلوا وانقطعنا، وأجابوا الداعي وامتنعنا، ونجوا من الإشراك ووقعنا، تعالوا ننظر في آثارهم وندرس دارس أخبارهم ونبكي على التفريط ما نابنا، ونندب ما لحقنا، وأصابنا. للمصنف: ودعوا يوم النوى واستقـلـوا *** ليت شعري بعدها أين حلـوا يا نسيم الريح بـلـغ إلـيهـم *** أن عقدي معـهـم لا يحـل لي من الريح الشمال انتهـال *** فإذا هبت سـحـيراً فـعـل عرضوا قلبي لسقـم طـويل *** باطن يظهر مـنـه الأقـل لو بكت عيني على قدر وجدي *** صار واديهم دمـاً لا يحـل سافر القوم على رواحل الصدق، فقطعوا أرض الصبر حتى وقعوا برياض الأنس، فعقبت قلوبهم بنشر القرب وتعطرت بنسيم الوصل، فعادت سكرى من صرف سلاف الوجد وعربدت على عالم الجسم، فكلما ربا الحب ذاب. خذي بيدي ثم ارفعي الثوب فانظري *** ضنا جسدي لكـنـنـي أتـكـتـم حمائم أرواحهم مسجونة في أقفاص أشباحهم، تصوت لشجو شوقها وتقلق لضيق حبسها. للمهيار: بالغور دارٌ وبنجـد هـوى *** يا لهف من غار بمن أنجدا يا حبذا الذكرى وإن أسهرتْ *** بعدك والدمع وإن أو مـدا البكاء دأبهم والدمع شرابهم والجوع طعامهم والصمت كلامهم فلو رأيتهم وعذالهم وقد زادوا بالعذل أثقالهم. سلمت مما عناني فاستـهـنـت بـه *** لا يعرف الشجو إلا كل ذي شجـن شتان بين خلـي مـطـلـق وشـج *** في ربقة الحب كالمصفود في قرن أمسيت تشهب باد من ضنى جسـدي *** بداخل من جوى في القلب مكتمـن إن كان يوجب ضري رحمتي فرضي *** بسوء حالي وحل للضنـى بـدنـي منحتك القلب لا أبغي بـه ثـمـنـا *** إلا رضاك ووافقري إلى الـثـمـن أعندك من حديثهم خبر؟ ألك في طريقهم أثر؟ لخالد الكاتب: رقدت ولم ترث للمساهر *** وليل المحب بلا آخـر ولم تدر بعد ذهاب الرقاد *** ما فعل الدمع بالناظـر نازلهم الخوف فصاروا ولهين، وفاجأهم الفكر فعادوا متحيرين، وجن عليهم الليل فرآهم ساهرين، وهبت رياح الأسحار فمالوا مستغفرين، فإذا رجعوا وقت الفجر بالأجر نادى منادي الهجر يا خيبة النائمين. ولما وقفنا والرسائل بينـنـا *** دموع نهاها الوجدان تتوقفا ذكرنا الليالي بالعتيق وظلها *** الأنيق فقطعن القلوب تأسفا جليت أوصاف الحبيب في حلية الكمال فقاموا على أقدام الشوق يسبحون في فلوات الوجد فلو رأيتموهم لقلتم مجانين، هيهات من لا يعرف مناسك الحج، نسب المحرمين إلى الخبل، الناس يضحكون وهم يبكون، ويفرحون وهم يحزنون، وينامون وهم يسهرون. تركت ليلى أمد من نفسي *** واأسفي للفراق واأسفي لما تمكنت المعرفة من قلوبهم أثرت شدة الخوف، فارتفع ضجيج الوجد. رأى الصديق طائراً فقال: طوبى لك يا طائر، تقع على الشجر. وتأكل من الثمر ولا حساب عليك، ليتني كنت مثلك، وقال عمر: ليتني كنت تبنة، ليت أمي لم تلدني. وقال ابن مسعود: وددت أني إذا مت لا أبعث. وقال عمران ابن حصين: ليتني كنت رماداً. وقال أبو الدرداء: ليتني كنت شجرة تعضد، وقالت عائشة: ليتني كنت نسياً منسيا. ودخلوا على عطاء السلمي وحوله بلل، فظنوه قد توضأ فقالت عجوز في داره: هذه دموعه. لصردر: كلُّ سحابٍ أمطرتْ أرضكم *** حاملةٌ للماء من أدمـعـي وكل ريحٍ زعزعت تُربكـم *** فإنها الزفرة من أضلعـي أتاهم من الله وعيد وقذهم، فباتوا على حرق، وأكلوا على تنغيص فنومهم نوم الغرقى، وأكلهم أكل المرضى، عجزت أبدانهم عما حملت قلوبهم "فمنهم من قضى نحبه ومن من ينتظر". قال فرقد: دخلت بيت المقدس خمسمائة عذراء لباسهن الصوف والمسوح، فتذاكرن ثواب الله وعقابه فمتن جميعاً في مقام واحد. قال أبو طارق شهدت ثلاثين رجلاً دخلوا مجالس الذكر يمشون بأرجلهم صحاحاً إلى المجلس، وأجوافهم والله قرحة، فلما سمعوا الذكر انصدعت قلوبهم. قصوا على حديث من قتل الهوى *** إن التآسي روح كـل حـزين قال عبد الواحد بن زيد لو رأيت الحسن، لقلت قد بث عليه حزن الخلائق، ولو رأيت يزيد الرقاشي لقلت مثكل، أقبل ولد يزيد يوماً يعاتبه على كثرة بكائه، فجعل يصرخ ويبكي حتى غشي عليه. فقالت أمه يا بني ما أردت بهذا؟ فقال: إنما أردت أن أهون عليه. صحة الشوق أحدثت علة الصبر *** وبعد المزار زاد الـسـهـادا كم عذول عليكم رام إصلاحـي *** فكان الصلاح منـه فـسـادا كلما زاد عـذلـه زاد وجـدي *** فكلانا في أمره قـد تـمـادى من لقلب أصليتموه لظى الجمر *** وجنب أفرشتمـوه الـقـتـادا المحب إن تذكر الربع حن وإن تفكر في البعد أن، وإن جن عليه الليل أظهر ما أجن، قطع رضاع الوصال فلم يتهن. للمصنف: يا بريق الحي حرمت المنـامـا *** فانقضى الليل سهاداً وقـيامـا أترى ما قد أرى يا صاحـبـي *** كيف والشوق بروحي يترامـى يا سقى الله حـمـاهـم مـزنة *** حلبت أشطرها أيدي النعامـى يا نسـيم الـريح بـلـغ وأعـد *** أن نفسي مع أنفاس الخزامـى آه لـو عـاد زمـانـي بـهـم *** عند جرعاء الحمى عوداً لماما يا ليالينا بذي الأثـل ارجـعـي *** أسفاً لو أنه يشفـي الـنـدامـا يا صاحبي بلغـوا إن جـزتـم *** بنقي الرمل عن الجسم السلاما إن قلبي يوم طفنـا بـالـلـوى *** ورحلنا عنه بالـوجـد أقـامـا يا غرامي إن شدت ورق وهـل *** علم الورق سوى وجدي الغراما قلقي في حرقـي مـن أرقـي *** يرتقي بل ينتقي مني العظامـا طربي في كربي من حـربـي *** رجع الماء بواديهـم حـرامـا لو جرت عيني على قدر الأسى *** رجع الماء بواديهـم حـرامـا
|